يُمثل ولادة خمسة غزلان رملية عربية (Gazella marica) مؤخراً في مركز وطني للحياة البرية فصلاً مُلهماً في مسيرة الحفاظ على ذوات الحوافر التي تعيش في الصحراء. اشتهرت غزلان الرمل العربية برشاقتها وقدرتها على الصمود، وكانت تجوب صحاري شبه الجزيرة العربية الشاسعة بأعداد كبيرة. أما اليوم، ونتيجةً لتدهور مواطنها، والصيد الجائر، والتوسع العمراني المتزايد، فقد انخفضت أعدادها بشكل حاد. لا تقتصر قصة نجاح الحفاظ على البيئة هذه على بقاء نوع واحد فحسب، بل هي دعوة أوسع لحماية التنوع البيولوجي في المناطق القاحلة من خلال سياسات قائمة على العلم، وبرامج تربية، وتعاون دولي.
عرض النقاط الرئيسية
لطالما أسرت الغزلان خيال الإنسان، حيث ظهرت في الفنون القديمة والشعر والأساطير. ينتمي جنس الغزال إلى فصيلة البقريات (Bovidae)، ويضم العديد من الظباء الصغيرة والمتوسطة الحجم، موطنها الأصلي أفريقيا وآسيا. تُظهر السجلات الأحفورية أن الغزلان تطورت منذ حوالي 10 ملايين سنة خلال العصر الميوسيني. وقد جعلتها تكيّفاتها التشريحية - أرجل طويلة، ورئتان قويتان، وتنظيم حراري فعال - مثالية للبقاء على قيد الحياة في السافانا والصحاري.
قراءة مقترحة
وُصف غزال الرمال العربي علمياً لأول مرة في القرن العشرين. ولعقود من الزمن، اعتُبر نوعاً فرعياً من غزال الدراق (Gazella subgutturosa)، إلا أن التحليلات الجينية الحديثة - وخاصة الدراسات التي أُجريت عامي 2010 و2012 - أعادت تصنيفه كنوع منفصل، وهو غزال ماريكا (Gazella marica). كان لهذا التغيير آثار مهمة على الحفاظ عليه، مما يُبرز الحاجة إلى جهود مُصممة خصيصاً لتركيبه الجيني وموطنه.
هناك أكثر من 15 نوعاً معروفاً من الغزلان، لكل منها تكيّفات فريدة ونطاق جغرافي فريد. من أبرزها:
• غزال طومسون (Eudorcas thomsonii) - موطنه شرق أفريقيا؛ معروف بسرعته المذهلة، التي تصل إلى 80 كم/ساعة.
• غزال غرانت (Nanger granti) - موطنه شرق أفريقيا؛ أكبر حجماً وأكثر قوة من غزال طومسون.
• غزال دوركاس (Gazella dorcas) - موطنه شمال أفريقيا وأجزاء من الشرق الأوسط؛ نوع صغير مُتكيّف مع الصحراء.
• غزال الريم أو نحيل القرون (Gazella leptoceros) - موطنه الصحراء الكبرى؛ مُهدَّد بالانقراض بشدة.
• غزال الرمال العربي (Gazella marica) - موطنه صحاري شبه الجزيرة العربية؛ معروف بفرائه الباهت وخفته العالية.
يلعب كل نوع دوراً بيئياً حيوياً، لا سيما كحيوانات راعية تحافظ على توازن الغطاء النباتي في النظم البيئية الجافة.
تُعجِب الغزلان بأناقتها وسماتها الجسدية الراقية:
• أجسام نحيلة: مثالية للتحمل والحركات السريعة.
• قرون منحنية: موجودة لدى كلا الجنسين في العديد من الأنواع، وتستخدم للدفاع وعروض التزاوج.
• عيون وآذان كبيرة: تُعزِّز الوعي بالحيوانات المفترسة في المناطق المفتوحة.
• فراء باهت: خاصة في الأنواع الصحراوية مثل غزال ماريكا، مما يساعد على عكس ضوء الشمس وتنظيم درجة حرارة الجسم.
• الذكاء السلوكي: عروض "القفز العالي" تردع الحيوانات المفترسة وتؤكد لياقتها البدن
يتسق جمالها مع قيمتها البيئية، مما يجعلها من الأنواع الرائدة في الحفاظ على الأراضي الجافة.
تتكيّف الغزلان بشكل أساسي مع:
• الصحاري وشبه الصحاري: وينطبق هذا بشكل خاص على غزلان الرمل العربية، التي تفضل السهول الرملية أو الحصوية وتتجنب التضاريس الصخرية أو الجبلية.
• المراعي والسافانا: في أفريقيا، تزدهر أنواع مثل غزلان طومسون وغرانت في السهول المفتوحة ذات مصادر المياه الموسمية.
• غابات الأكاسيا والسهول الساحلية: توفر الظل والغذاء والمأوى للأنواع الأصغر.
تحتاج الغزلان إلى مساحات واسعة غير مضطربة مع الحد الأدنى من التدخل البشري. وتشكل النباتات مثل الأعشاب والشجيرات وأوراق الأكاسيا غذائها الأساسي، مع اعتماد ضئيل على الماء - وهو تكيف أساسي للبقاء في الصحراء.
تتوزع الغزلان في ثلاث قارات:
• أفريقيا: تُعدّ موطناً لأكثر من 1,5 مليون غزال طومسون، حيث تُعدّ كينيا وتنزانيا وحدهما موطناً لأكثر من 1,5 مليون غزال طومسون.
• الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية: تُعدّ أنواعٌ مثل الغزال العربي، وغزال دوركاس، وغزال الرمل من الحيوانات الأصلية.
• وسط وجنوب آسيا: يسكن غزال الدراق مناطق تمتد من إيران إلى منغوليا.
أدّت تجزئة المواطن وتغير المناخ إلى عزل العديد من هذه الأنواع، مما استلزم برامج حماية عابرة للحدود.
في العالم العربي، تُعتبر الغزلان رمزاً للنقاء والسرعة والحياة الصحراوية:
• دورها الثقافي: برزت في الشعر والفن الإسلامي كاستعارات للرقة والجمال الآسر.
• دورها البيئي: بصفتها حيوانات عشبية، تُنظم نمو النباتات وتُشكل فريسة للحيوانات المفترسة الصحراوية مثل الوشق والذئاب العربية.
• التحديات الحالية: أدى تطوير النفط، وتوسيع البنية التحتية، والرعي الجائر للماشية إلى انخفاض كبير في أعداد الغزلان البرية.
تاريخياً، كانت دول مثل المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان غنية بالتنوع البيولوجي للغزلان، لكن الأعداد الحالية تعيش في الغالب في المحميات أو المناطق الطبيعية المحمية.
تُصنف القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة العديد من أنواع الغزلان على أنها "مُعرَّضة للخطر" أو "مُهدَّدة بالانقراض". تشمل التقديرات الحالية ما يلي:
تقديرات أعداد الغزلان البرية في بعض الدول العربية.
لمملكة العربية السعودية: حوالي 3000 غزال (بما في ذلك أكثر من 1000 غزال في جزر فرسان)،
لإمارات العربية المتحدة: حوالي 2500 غزال (معظمها في محميات مثل صير بني ياس)،
لطنة عُمان: أقل من 1000 غزال (أعداد مُكتشفة حديثاً)،
طر: حوالي 500 غزال (معظمها غزال دوركاس وغزال رملي)،
لأردن: حوالي 400 غزال (خاصةً في محمية ضانا للمحيط الحيوي)،
لعراق: أعداد صغيرة جداً ومُجزأة.
تعمل الحكومات العربية والمنظمات غير الحكومية بنشاط على الحفاظ على أنواع الغزلان المحلية:
• المركز الوطني للحياة الفطرية في المملكة العربية السعودية: أعاد المركز الوطني للحياة الفطرية إطلاق غزال الرمل العربي في المحميات الطبيعية مثل عروق بني معارض والزلفي.
• هيئة البيئة في الإمارات العربية المتحدة: تدير هيئة البيئة - أبوظبي محمية غابات تضم أكثر من 55,000 غزال موزعة على مناطق محمية متعددة.
• محمية الريم في قطر: موقع رئيسي للحفاظ على غزال دوركاس وغزال الرمل والتثقيف البيئي.
• محمية المها العربي في عُمان: على الرغم من تركيزها في البداية على المها، إلا أنها تدعم أيضاً إعادة توطين الغزلان في البرية.
• مشاريع مجلس استدامة الحياة البرية في الخليج: يتعاون مجلس استدامة الحياة البرية في الخليج مع هيئات دولية في برامج التكاثر والتتبع عبر الأقمار الصناعية.
تجمع هذه الجهود بين الحفاظ داخل الموقع وخارجه، بهدف تحقيق التنوع الجيني والتوازن البيئي.
على الرغم من توطن غزال الرمل العربي في شبه الجزيرة العربية، إلا أنه موجود في مناطق أخرى مثل:
• المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، عُمان: لا تزال هناك مجموعات برية صغيرة منه؛ بينما تعيش أعداد أكبر في محميات شبه برية.
• مراكز التكاثر في الأسرْ: يُربى أكثر من 1000 غزال في بيئات مُدارة حول العالم.
• تركيا (الأناضول): مجموعة معزولة، ربما مُستوردة، في المناطق الجنوبية الشرقية.
يُقدّر الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) وجود أقل من 3000 غزال بري عالمياً، مما يجعل برامج التكاثر أمراً بالغ الأهمية.
في أوائل عام 2025، أعلن المركز الوطني للحياة البرية (لم يُكشف عن الموقع لأسباب أمنية) عن ولادة ناجحة لخمسة عجول من غزال الرمل العربي، وُلدت لأمّين. كانت الولادة جزءاً من برنامج مُخطّط له لتعزيز الجينات، وتعكس فعالية سنوات من التكاثر والرعاية البيطرية والمحاكاة البيئية.
• السلالة الجينية: تتميز المواليد الجدد بتنوعها الجيني، مما يُجنّبهم الاكتئاب الناتج عن التزاوج الداخلي.
• معدل البقاء على قيد الحياة: نجا جميع العجول الخمسة من أسابيعهم الأولى، مُتجاوزين بذلك متوسط
معدل البقاء على قيد الحياة في الأسرْ والبالغ 60%.
• التوعية العامة: يخطط المركز لإطلاق سراح الغزلان وإطلاق برامج تثقيفية لزيادة دعم جهود الحفاظ عليها.
قد تزيد هذه الولادة أعداد الغزلان في الأسر بنسبة 0.5%، وإذا تم إطلاقها، فقد تُعزِّز التنوع البيولوجي الإقليمي بشكل كبير.
يعتمد بقاء غزلان الرمل العربية على استراتيجيات متكاملة مدعومة علمياً:
• البحث الجيني: استخدام الخرائط الجينية لتحسين قرارات التكاثر.
• السياحة البيئية: يمكن أن تعود أنشطة مراقبة الغزلان الخاضعة للرقابة بالنفع الاقتصادي على المجتمعات المحلية مع حماية الحيوانات.
• مشاريع إعادة الحياة البرية: تُعد عمليات إعادة التوطين في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة أمراً بالغ الأهمية. ويمكن إنشاء ممرات مواطن بين المحميات.
• السياسات وإنفاذ القانون: يُعدّ سنّ قوانين أكثر صرامة لمكافحة الصيد الجائر، إلى جانب تقسيم المواطن، أمراً بالغ الأهمية.
• وفقاً لمجلس الخليج للاستدامة، من المتوقع أن تنمو سياحة الحياة البرية في الخليج من 300 مليون دولار أمريكي في عام 2024 إلى 600 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2030.
• مرونة التنوع البيولوجي: تُقدر قيمة الغزلان بحوالي 1200 دولار أمريكي للهكتار الواحد من الأراضي الصحراوية المحمية سنوياً.
يُعدّ ولادة خمسة غزلان رملية عربية انتصاراً وتذكيراً في آنٍ واحد. إن هذه الحيوانات الأنيقة، رمز الصحاري العربية، قد أصبحت على حافة الانقراض. ومع ذلك، بفضل برامج الحفاظ الثاقبة، والتعاون الدولي، والمشاركة العامة، فإن مستقبلها ليس ممكناً فحسب، بل واعد أيضاً. من خلال تقدير التنوع البيولوجي ككنز ثقافي وضرورة بيئية، يمكن للعالم العربي أن يقود فصلاً جديداً في الحفاظ على الصحراء، مما يضمن استمرار غزال الرمل في القفز فوق الكثبان الرملية لأجيال قادمة.
سوق الكتّاب: معرض الكتاب الكويتي بوابة الفكر المعاصر
علامات مبكرة تشير إلى انسداد شرايين القلب لديك
سرّ التسويق الصامت الذي يعتمده كبار الشركات العالمية.
مضيق هرمز: بوابة الخليج العربي وشريان النفط العالمي
هل تستطيع الولايات المتحدة أن تظل القوة العظمى في مجال العلوم في العالم؟
من جبهة الحرب الأهلية إلى رمز الحياة: المتحف الوطني في لبنان يستعيد مجده
5 نصائح للتحكم في العصبية
بحيرة لويز: قطعة من الجنة وسط جبال روكي الكندية
اكتشاف النيازك يتحدى نظريات قديمة عن عناصر الأرض المفقودة
من مطبخها إلى مطبخك: كتاب نادية حسين ”روزا“ للطبخ يجلب لك مذاق رمضان من كل ركن من أركان العالم