بورسعيد ضد بورفؤاد: مدينتان، واحدة في أفريقيا وأخرى في آسيا، يفصل بينهما قناة السويس

ADVERTISEMENT

عند البوابة الشمالية لقناة السويس الأسطورية، تلتقي مدينتان عبر الماء - بورسعيد في أفريقيا، وبورفؤاد في آسيا. ورغم أنك تستطيع الذهاب من مدينة لأخرى برحلة قصيرة بالعبّارة، إلا أن المدينتين تقعان في قارتين مختلفتين، مما يجعل علاقتهما تحفة جغرافية ورمزية. أصبحت بورسعيد، التي تأسست عام 1859 مع بدء بناء القناة، ميناءً تجاريًا حيويًا على البحر الأبيض المتوسط. وسرعان ما جذب ساحلها الأفريقي مستوطنين دوليين - من مهندسين فرنسيين وبريطانيين إلى تجار يونانيين وإيطاليين - مشكلين بذلك فسيفساء عالمية. وتطورت لتصبح مركزًا تجاريًا وثقافيًا نابضًا بالحياة. ومن ناحية أخرى، نشأت مدينة بور فؤاد عام 1926 على الجانب الآسيوي كمدينة مُخطط لها. وقد صُممت في البداية لإيواء موظفي هيئة قناة السويس وضباط البحرية، واعتمدت التخطيط العمراني الحديث بشوارعها الواسعة وحدائقها الخضراء وأحيائها المُنظمة. وجعلها موقعها على الضفة الشرقية مدينة ذات أهمية بالغة لعمليات القناة، ومكّنها من الوصول إلى المناطق الصناعية المتنامية. وفي حين أن الجغرافيا تُفرق بينهما، تُمثل قناة السويس حاجزًا وجسرًا في آنٍ واحد. إذ تربط خدمة العبارات المجانية المدينتين بشكل شبه مُستمر، مما يُزيل الحدود ويُعزز التفاعل اليومي عبر الخطوط القارية. كما تُؤكد الحركة السلسة للأشخاص والبضائع والثقافة على مصير مُشترك.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Daniel Csörföly على wikipedia

قناة السويس: شريان التجارة والهوية

إن قناة السويس ليست مجرد ممر استراتيجي، بل هي القوة المُحددة لكلتا المدينتين. وقد افتُتحت رسميًا عام 1869 وشقّت طريقًا بحريًا مُختصرًا بين أوروبا وآسيا، مُتجنبةً الرحلة الطويلة حول الطرف الجنوبي لأفريقيا.  يمرّ اليوم أكثر من 10% من التجارة البحرية العالمية عبر هذه القناة. لقد استغلّت بورسعيد موقعها عند المدخل الشمالي للقناة لتصبح مدينة ساحلية عالمية. فأنشأت:

· منطقة تجارة حرة جذبت المستثمرين الأجانب.

· خدمات تموين السفن وعمليات الجمارك التي حوّلت أرصفتها إلى شريان حياة اقتصادي.

· أحياء متنوعة ذات تأثيرات معمارية أوروبية قوية، تعكس ماضيها الاستعماري.

أما بور فؤاد، فقد أصبحت بفضل موقعها الاستراتيجي، مركزًا لما يلي:

ADVERTISEMENT

· العمليات البحرية والدعم اللوجستي.

· محطات حاويات حديثة تُسهّل إعادة الشحن.

· مقرات إدارية لهيئات القناة والخدمات البحرية.

يؤثر وجود القناة على الحياة اليومية في كلتا المدينتين. وغالبًا ما يجتمع السكان المحليون على الممشى لمشاهدة سفن الشحن الضخمة وهي تنزلق - في تذكير سريالي دائم بصلتها العالمية. تتوالى حفلات الزفاف ومباريات كرة القدم ومشاهد الأسواق على مرأى من هذه السفن البحرية العملاقة، مما يضفي على الروتين المحلي لمسة من العظمة العالمية.

التناقضات والقواسم المشتركة: الحياة في المدينتين التوأم

على الرغم من تميّز المدينتين بشخصيتهما المميزة، إلا أنهما تعكسان بعضهما البعض كانعكاسات الماء - لكل منهما سحرها الفريد الذي يشكّله التاريخ، والتركيبة السكانية، ووتيرة التنمية. إن مدينة بورسعيد، أكبر وأكثر حيوية، تُقدّم:

ADVERTISEMENT

· أسواقًا نابضة بالحياة ومهرجانات ثقافية تمزج بين الأجواء المصرية والمتوسطية.

· مبانٍ تاريخية من الحقبة الاستعمارية، بعضها حُوِّل إلى معارض فنية ومتاحف.

· حياة شوارع نابضة بالحياة تدمج التجارة التقليدية مع المقاهي العصرية ومتاجر الأزياء.

صورة بواسطة TheEgyptian على wikipedia

أما مدينة بورفؤاد،فهي أكثر هدوءًا وتنظيمًا، وتتميز بـ:

· أحياء سكنية مُنظّمة جيدًا وشوارع مُظلّلة بالأشجار.

· حدائق ومتنزهات تجعلها من أكثر المدن خضرة في مصر.

· مدارس، ومرافق رياضية، وممرات مُطلة على القناة حيث تتنزه العائلات في المساء.

وعلى الرغم من اختلافاتهماا، لكن يجمعهماا تراث مشترك. إذ يعيش العديد من العائلات في كلتا المدينتين. والعبارة ليست مجرد وسيلة نقل، بل هي رابط ثقافي. غالبًا ما تمتد المهرجانات والفعاليات العامة والبطولات الرياضية عبر المدينتين، احتفالًا بهوية مشتركة متجذرة في إرث القناة. يُطلق سكان كلا الجانبين على موطنهم المشترك اسم "شمال السويس" - في إشارة غير رسمية إلى مصيرهم المتشابك. غالبًا ما تضم مجموعات التواصل الاجتماعي وشبكات الأعمال والمبادرات الشبابية أعضاءً من المدينتين، مما يُثبت أن الجغرافيا لا تُفرق الروح.

ADVERTISEMENT

الأهمية الاستراتيجية والرؤى المستقبلية

يضمن الموقع الاستراتيجي لبورسعيد وبورفؤاد بقاءهما في صميم الخطط الاقتصادية والجيوسياسية لمصر. وقد زاد توسع القناة، الذي اكتمل عام 2015، من أهميتهما، مع مرور المزيد من السفن وحجم شحنات أكبر يوميًا. تشمل أهداف التنمية المستقبلية ما يلي:

· تحويل بورسعيد إلى مركز عالمي للخدمات اللوجستية والتجارة الإلكترونية.

· توسيع القاعدة الصناعية في بور فؤاد من خلال أنظمة تتبع الحاويات الذكية، وأنظمة الموانئ الآلية، والمجمعات التقنية.

· إنشاء ممشى على الواجهة البحرية صديق للبيئة، ومناطق طاقة خضراء، وحلول مستدامة للتنقل الحضري.

تتصور الحكومة هذه الرؤية كتنمية متكاملة للمدينتين، مستفيدةً من موقعهما لدفع عجلة التصنيع والسياحة والبنية التحتية الرقمية. حيث تشمل المشاريع فنادق فاخرة مطلة على القناة، ومراسي بحرية، وجامعات دولية متخصصة في القانون البحري والخدمات اللوجستية. لا تزال هناك تحديات قائمة، فارتفاع منسوب مياه البحر، والتقلبات الاقتصادية، والتوترات السياسية قد تؤثر على النمو. لكن مرونة هاتين المدينتين لا تنبع فقط من قيمتهما الاستراتيجية، بل من شعوبهما أيضًا. لقد عاشت أجيال على ضفاف القناة، متكيفةً مع إيقاعاتها، مستلهمة من رمزيتها كممر، ورابط، وشريان حياة.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Baycrest على wikipedia

الخلاصة: مدينتان في إرث واحد

تعد بورسعيد وبورفؤاد أكثر من مجرد ميناءين أو مدينتين على ضفتي قناة. إنهما شقيقتان قاريتان - إحداهما أفريقية والأخرى آسيوية - يربطهما التاريخ والمصير، وشريط متلألئ من مياه البحر يجذب العالم إلى عتباتهما. هويتهما لا تُحدد بالانقسام، بل بالتواصل. معًا، وتُجسّدان رمزًا للتعايش والتعاون والاستمرارية. لذا، في المرة القادمة التي تنظر فيها إلى خريطة مصر، ارسم مسار قناة السويس شمالًا، ولاحظ المدينتين اللتين تعيشان في وئام عبر القارات. إنه دليل على أن الحدود يمكن أن تكون جسورًا، وأن الجغرافيا، على قوتها، ليست سوى جزء من القصة.

أكثر المقالات

toTop